بئر النهاية
في ليلة حالكة السواد، كان خليل يسير وحيدًا في الطرقات، تبتلع خطواته ظلمة الليل. لم تكن الظلمة من حوله فقط، بل كانت تملأ قلبه أيضًا. عقل خليل كان مشتعلاً بالأفكار،مستقبل أولاده والثروة التي تركها أخيه الأكبر ووحيده، الحاج فتحي. الذي توفى فجأة فقد كان الحاج فتحي روح القرية، المحبوب من الجميع، رجل الأعمال الناجح الذي لم يكن الربح شغله الشاغل بل كانت الأمانة والخير. كان يملك محلات وأراضٍ تدرّ أموالًا طائلة، وكان يعامل خليل كشريك حقيقي، بل وكتب له الكثير من ممتلكاته باسمه، بما في ذلك سيارة النقل التي يستخدمها، حرصًا على مستقبله ومستقبل أبنائه الثلاثة. كان الحاج فتحي يعتبر أولاد خليل مثل أبنائه، خاصة أنه لم يُرزق إلا بثلاث بنات، أكبرهنّ تدرس في الجامعة.
أما أولاد خليل، فقد كانوا على النقيض تمامًا. لم يكن لهم اهتمام بالدراسة، بل كانوا يفضلون حياة اللهو والسهر، يعتمدون على والدهم الذي كان بدوره يعتمد على كرم أخيه.
وهنا، بدأ الوسواس الخفي يتسلل إلى عقل خليل. "الآن حانت فرصتك"، همس له الشيطان. "زوجة أخيك ضعيفة، وبناتها صغيرات، وأولادك شباب يحتاجون إلى مستقبل مضمون. لماذا لا تأخذ كل شيء؟"
بداية الانحدار
لم يعد خليل يرى إلا الثروة الضخمة التي تركها أخوه. لم يكن يرى الأمانة، بل فرصة ذهبية للاستيلاء. خطته كانت شيطانية وماكرة: يتظاهر بأنه يريد حماية أرملة أخيه وبناته، ويتقدم ليتزوجها. هكذا، سيضع يده على كل شيء "بشكل قانوني".
لكن زوجة الحاج فتحي، التي كانت تعرف خليل جيداً ونواياه ، رفضت بشدة. لم تكن تراه زوجًا صالحاً أو وصيًا، بل طامعًا في مال زوجها الراحل. هذا الرفض أشعل غضب خليل، فانقلب عليها وعلى بناتها. أصبح يضيّق عليها الخناق، يمنع عنها الأموال، ويعاملها كأنها غريبة. لو لم يكن البيت الذي تسكنه باسم الحاج فتحي، لكان قد طردها منه بلا تردد.
في هذه الأثناء، كان أولاد خليل غارقين في بحر من اللهو والإسراف. كانوا يسهرون، يشربون، وينفقون الأموال الطائلة دون حساب. حتى جاءت تلك الليلة المشؤومة.
الصدمة الكبرى
خرج الأولاد الثلاثة كعادتهم للاحتفال. و في طريق عودتهم قبل الفجر، وفي لحظة تهور، فقد السائق السيطرة على السيارة. انحرفت المركبة عن الطريق، واصطدمت بعنف ثم سقطت في النيل المظلم. لم ينجُ منهم أحد.
وصل الخبر إلى خليل كالصاعقة. فقد أولاده الثلاثة دفعة واحدة. لم يتحمل الصدمة، بل تحول حزنه إلى جنون. في لحظة هستيرية، عاد الشيطان يوسوس له: "الآن سيشمتون بك، أرملة أخيك وبناتها سيعيشون في سعادة بينما أنت تحترق".
تسلل خليل في جنح الليل إلى بيت أرملة أخيه. كان يضحك ضحكة مجنونة بينما يشعل النار في المنزل، ظنًا منه أنه يتخلص من كل ما يذكره بضعفه وخطاياه. ركض بعيدًا وسط المزارع، يضحك ويصرخ بجنون. في أثناء ركضه، لم ير بئرًا قديمة مفتوحة أمامه. سقط فيها بعنف، وأثناء هبوطه إلى القاع، ارتطم رأسه بشدة.
اليقظة
فجأة، استيقظ خليل مذعورًا، يمسك رأسه من الألم. كان كل هذا كابوسًا مروعًا. تذكر وفاة أخيه، وتذكر عزاءه، وتذكر لحظة الضعف و وساوس الشيطان التي تسللت إليه. كان هذا الكابوس بمثابة ناقوس خطر أيقظه من سبات الغفلة.
تنهد خليل بعمق، وشعر بوابل من الندم يغمر قلبه. استغفر الله، وعاد إلى صوابه. لقد فهم الرسالة. لقد أنذره الله قبل أن يقع في الخطيئة العظمى. في تلك اللحظة، اتخذ قرارًا لا رجعة فيه: سيتعهد بحماية بنات أخيه، والحفاظ على ممتلكاتهن كأنها أمانة مقدسة.
فقد أدرك خليل في النهاية أن الله "يمهل ولا يهمل" ليست مجرد مقولة، بل حقيقة كونية تحكم حياة البشر، وأن مصيره كان على بعد خطوة واحدة من الهاوية.
فحمد الله أن عاد الى صوابه ولم يستمر في تنفيذ مخططه الشيطاني.
تعليقات
إرسال تعليق